السبت، 20 يوليو 2013

الرابع عشر من حزيران ..


صديقتي الجميلة: تقى
                    محبة ، أما بعد ..
هذا الصباح ملطخ بالقلق والوجع، هذا الذي لا نستطيع الهروب منه سوى بتجاهله والموت اختياراً أو كما أفعل أنا أملئ نفسي بكثير من الألحان.
في هذا الصباح استلمت رسالتك الالكترونية ولأنى ملئ بالوجع كهذا الصباح تمام لم أرد الكترونياً لأن الكتابة ها هنا على ورقة تمكنك من كشف الغطاء عن الوجع المتخفى بأكلمله في الواو ولا تظهر منه سوى دمعة في الجيم وصمت حزين في العين.
أتخيل الآن شخصاً-مثلي ومثلك-يُعطى ورقة وقلم فيسطرها كلها بهذه الكلمة "وجع" ،هو المتعلم لا يقدر على كتابة غيرها وعندما يسألونه:ألا تعرف غيرها؟، يرد: لا أحب الكذب،وكل الكلمات كاذبة وكذبها مفضوح وهذه هي الكلمة الصادقة الوحيدة.
هذا الشخص مثلنا يتعثر بالوجع في الشوارع على اختلافها،فإن لم يجده فسيجد كلمة مرادفة له ملقية في قارعة الطريق ،هذه الكلمة هي الحنين. وهو أيضا مثلنا قرر ألا يبالي بالمعنى الحرفي لتلك الكلمة، تعلم ألا يبكي أو يضحك،ألا يتذكر،ألا يتمنى.
بهذا العالم الكثير من الخذلان،لكن ثمة أمل أجدر بأن تحمله الأنثى، تتحدثين عن الرحيل لكن لا ترحل أنثى أبداً يا صديقتي،فقط هي تقنع نفسها بأنها سترحل لكنها لا ترحل، لأن الأنثى تؤمن بالميلاد ولا تؤمن بالموت،لا تؤمن بالنهاية، تكفر بالنقاط ويبدل عقلها تلقائيا كل نقطة لفاصلة وتكمل بعدها كأن خيبة لم تكن !
الأنثى هي من تعلن استسلامها وترفع الراية البيضاء في حين أن عقلها يئز ويدها الخالية تعمل بأسرع ما يمكن وتفشل كثيراً في محاولاتها لكنها لا تسلم وترحل، وهذا يظهر كثيراً في هذا الأمر المدعو"حب"، لكن يجب أن نعرف أن بعض النساء تسلم اختياراً ولا تعود في كلمتها وترحل كما فعلتُ أنا مع الحب ، تركته يرحل ورحلت ،لم أحارب من أجله ولن أحارب ولكن الرحيل في أمور أخرى تخص الإنسانية كالكتابة مثلا إنما هو أمر مستحيل.
وأنا وإن كنت أخبرتك أنك كأنثى لن ترحلين فيجب أن أذكرك أن الكتابة لعنة نحن ملعونون ومصابون بمس القلم والعلاج من هذه الحالة سيكلفنا ما هو أكثر من الحياة ويفضل ألا ندفعه.
___________

العشرون من تموز..

عدت مرة أخرى لأتم هذه الرسالة ، ليس لأنه يجب أن أتمها بل لأنني أحتاج لذلك بشدة..

أتفق معكِ أن ما يحدث عبث ، لا يستحق الكتابة. لا يمكننا أن نكتب عن دمشق الحالية ولو كتبنا عن دمشق في خيالنا وكما أرادها نزار لأصبحنا تافهين ،أغبياء في نظر الحالين، لكن من سيتحقق لهم حلمنا بدمشق وكل البلاد ألن يعتبرونا عباقرة ؟
إذن اكتبي لأجيال قادمة بعد سنوات،
اكتبي لأوطان ستكون ملكاً لتلك الأجيال،
اكتبي عن أحلام سيملكونها،
اكتبي عن مبادئ سيسيرون عليها،
اكتبي عن الزهور التي سيستنشقون عبيرها ،وعن العصافير التي ستلعب معهم.

اكتبي لأن عالمنا لم يعد يستحق أن نعيشه، فيجب أن نعيش العالم القادم..

هل تعتقدين أن الكتابة يمكنها أن تهدم هذا العالم وتبنيه؟
لم أعد أعتقد ذلك تماماً، لكن لا يجب أن نتوقف، ليس الآن
لقد بدأنا ويجب أن نستمر، كما تقول كيوكو في مسلس الإنمي الذي عشقته مؤخراً : "الذي يفقد وعيه في منتصف المعركة ،لن يكتب له النجاة" لذا يجب أن نتستمر. هذا بالإضافة أننا خسرنا الكثير بالفعل في هذه الحياة، ولا بد أن نتابع الطريق الذي سنكسب فيه بعض من الراحة والهدوء.
أنتِ تعرفين هذا ، أن المجتمع استهلكنا بتقاليده ،والأهل استهلكونا بالآمال العراض، لم يبق منا الكثير وإن لم نستهلك نحن ما بقى منه بأمالنا وأحلامنا نحن، سيستهلكوننا كلنا ولن يبق منا شئ.
لقد فقدنا الكثير منا ويجب أن نحافظ على ما بقي، أعجبني أنك تعرفين هذا حينما ذهبتي للمظاهرات من أجل حرية هذا الوطن علمت أنكِ تدركين ذلك تدركين أنه يجب أن تعيشي لأحلامك
لذا لا تتلكأي في تحقيقها، اكتبيها وضعي لها خطة زمنية ، لاتضيعي المزيد من الوقت في أي شئ كما أضعت أنا في هذه الأجازة كل مخطاطاتي ذهبت أدراج الريح وقد ندمت على ذلك ، ندمت على عدم تعلم الخط وعلى عدم دراسة الفلسفة وعلى عدم تعلم التصميم وعلى عدم الكتابة
وعلى ذكر الكتابة ، يجب أن أعترف لك بأنني أعتقد أنني فقدت القدرة عليها ، لم أعد أستطيع أن أكتب أي شئ من تلك الأمور المزدحمة في قلبي وفي عقلي. قلت لبعض الأصدقاء أنني يمكنني أن أبيع الأفكار لأنني جاءني هذا الخاطر أنه يمكن أن يأتي يوم- إذا استمريت في الكتابة- ويقال الأفكار رائعة ولو كتبها شخص آخر لكانت أفضل.هذا أيضا بجانب هذا التعب الغريب الذي أعاني منه أثناء الكتابة كأنني أحمل الكون بأكمله فوق قلبي وأجري به أميال عدة حتى أنتهى وأسقط في نهاية الورقة كذلك العصفور الذي يغني والشوكة مغروسة في قلبه ويموت في النهاية مع الفارق أن غناء العصفور في هذه القصة جميل ، لا يشبه غناءي بأي حال من الأحوال.
..
يوسف بطل قصتك، ويوسف الذي رأيته في المظاهرة اليوم وعرفت أن عمره سبعة عشر عاما وتم اعتقاله بعد وفاة محمد الجندي عندما احتجت المدينة وأراد الحاكم أن يكتم صوتها فأمر النائب العام بضبطه مع آخرين كانوا يقودون الاحتجاجات مثله
يوسف ويوسف متشابهان ، يحملان بعض من أحلامنا
يوسف صديقك يعشق ويقاتل، يعيش الوطن بقلبه، ويعيش القلب بوطنه، ويوسف الذي رأيته ينادي الوطن ويناديه الوطن
لو اقتربتي من أي منهما يمكنك أن تسمعي صوت الوطن الرخيم، يمكنك أن تسمعيه
أنتِ اقتربتي من يوسفك كثيراً سمعتي نبضاته ونبضات الوطن. إذا انتهى يوسف كان لابد لكِ أن تنتهي معه.
لكن بما أنك حية ، مازلتي تمسكين بقلمك ، فلتكملي حلم يوسف، إنه منحكِ إياه ويجب أن تكمليه
لا تقفي في منتصف الطريق أبداً، سيري مع الحلم للنهاية حيث الوطن،حيث الحب، حيث الحياة..
..
يجب أن أقول لكِ ، لا يجب أن تعتمدي على أي يد تمتد لكِ، تشبثي بالصخور ،بجدار الهاوية الزلق، بالهواء فإنهم لن يفلتنك وهم يملكون القوة لتحملك طويلا دون أن يتأذوا ،وإن تأذوا لا يعتبون.




 لقلبك من المحبة ما يقويه <3





 مريم ،،
20/7/2013


ملحوظة 1 :
 أشعر أن هذا الخطاب كان موجهة لي أنا، يبدو أن آلامنا متشابهة جداً.
كنت أحتاج لكتابته

ملحوظة 2 :
الجزء الأول كتب ورقياً.

ملحوظة 3 :
ما زالت ساخطة على ضياع الخطاب الفائت في البريد.

ملحوظة 4 :
تذكرت أنني لم أكتب لكِ عن النقاد، سأحاول أن أتذكر ذلك المرة القادمة.

هناك تعليق واحد: